أخر المستجدات
الرئيسية » آخر الأخبار » شاهد عيان ….بقلم الأديب علي الشافعي…. وكالة الراي العربي…

شاهد عيان ….بقلم الأديب علي الشافعي…. وكالة الراي العربي…

شاهد عيان بقلم علي الشافعي
ظاهرة عجيبة ــ ايها السادة الافاضل ــ في مجتمعنا على في طول البلاد وعرضها , وتزداد يوما بعد يوم , حتى باتت تهدد المنظومة التربوية التعليمة برمتها , المنظومة الوحيدة التي بقيت لنا , نتفاخر بها في المحافل الدولية , انها ظاهرة الاعتداء على حرم المدارس , واقتحامها من قبل مجموعات من الزعران (الشبيحة) , والاعتداء على احد المعلمين بالضرب او الشتم والقذف , او التهديد بتلفيق تهم امنية له , تودي به على قارعة الطريق , ولم تسلم حتى مدارس الاناث من هذا التهديد , الامر الذي حدا بوزارة التربية والتعليم ان تطلب من وزارة العدل مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في المادتين 158 و 187 من قانون العقوبات الاردني , لضمان امن وحماية المعلم من الاعتداء, حسب ما اوردته بعض وكالات الانباء , وبررت الوزارة في كتاب وجهه معالي وزير التربية والتعليم الى معالي وزير العدل هذا الإجراء ب (تزايد الاعتداءات على المعلمين والتي اصبحت ظاهرة مجتمعية مقلقة ، وانسجاما مع سياسة وزارة التربية والتعليم المنصوص عليها في قانون التربية والتعليم رقم 3 لسنة 1994 وتعديلاته والمتضمنة الاعتزاز بمكانة المعلم الاجتماعية ودوره المتميز في بناء الانسان والمجتمع) .
سأروي لكم ــ يا دام سعدكم ــ ثلاثا من الحوادث التي كنت عليها شاهد عيان , خلال مواكبتي مسيرة التربية والتعليم على مدى اربعين عاما , وبعدها لنا حديث , علّنا نضع ايدينا على الجرح ونحاول ما استطعنا مداواته قبل ان يعطب سائر الجسد , او نكون اعذرنا الى ربنا , وهذا اضعف الايمان . اقول بعد ان تصلوا على طه الرسول :
المشهد الاول : بدايات ايلول( 1975) , وفي احدى المدارس الثانوية الكبرى في العاصمة , لم اكن تخرجت بعد , لكن اخترتها للتطبيق فيها نظرا لشهرتها , وكان ــ في ذلك الوقت ــ التطبيق في الميدان شرطا للنجاح في المساقات التربوية . الواقعة : معلم معين لتوه ليعلم مبحث الاجتماعيات لطلبة الصف الثالث الثانوي (التوجيهي ) , يكبر الطلبة بحوالي 4 سنوات , وبعضهم في مثل سنه , وقد يكون اكبر منه حجما . احد الطلبة من ابناء الاغنياء يجلس في نهاية الفصل , احب كما يبدو ان يظهر عضلاته , فجلس جلسة وزير عندما يعرض متفاخرا احدى انجازاته على شاشات التلفزة . نبهه المعلم مرة , مرتين , ثلاث فلم يكترث , فذهب اليه وحصلت بينهما مشادة , حاول الطالب خلالها بشهادة زملائه ان يمسك بتلابيب المعلم , فدفعه المعلم بقوة فوقع على يده فكسرت . تجمهر الطلبة على زميلهم وخرج المعلم فابلغ المدير وهو في حالة شديدة من الهلع . هدّا المدير من روعه , وطلب من احد المعلمين نقل الطالب للمستشفى , وقال للمعلم هذه اجازة مني لمدة يومين تعود بعدها لطلبتك , وانا سأتدبر الامر . اتصل المدير فورا بولي الامر وقال له : ابنك اساء الادب مع احد مربيه فكسرت يده , فرد الاب على الفور ولمَ لمْ يكسر الثانية ؟ قال المدير : لو سمحت تحضر لتأخذ ملفه فقد قرر مجلس الضبط في المدرسة نقله خارج محافظة العاصمة لمدة عام . عند عودة المعلم اجتمع به المدير قرابة الساعتين , عرفنا انه كان يوجه له نصائح تربوية .
بعد التخرج تقلبنا في ديار الغربة ما شاء الله لنا , ثم عدنا (والعود احمد ) , فعينت في ثغر الاردن الباسم , لأجد ان كثيرا من القوانين تغيرت لصالح الطالب , وقائمة المحظورات التي تكبل المعلم اطول من ليل النابغة الذبياني . في اول اجتماع حضرته بدا سرد علينا المدير تلك القائمة : ممنوع العنف بأشكاله البدني والنفسي والمعنوي , ان اخطأ الطالب فارفع له البطاقة الصفراء ثم الحمراء , قلت : ما الذي يضبط صفا فيه خمسون طالبا ؟ قال والله هذه هي القوانين , والادارة لا تحمي معلميها .
المشهد الثاني : الزمان ظهيرة احد ايام شهر تشرين اول ( 1991 ). المكان احدى مدارس مدينة العقبة ذات الفترتين , في طابور الفترة المسائية , لا حظ احد المعلمين المناوبين احد طلبة الصف التاسع يقف بلا استعداد ولا يلتزم بالتعليمات اثناء اداء تحية العلم . فما كان من المعلم بعد الانتهاء الا ان ارسله لمدير المدرسة الذي انبه على تكرار مثل هذا السلوك , ثم ضربه بعصا صغيرة على فخذه .
اطلق الطالب ساقيه للريح , وبعد حوالي ساعة اقتحمت سيارة شرطة حرم المدرسة ومعها امر جلب للمدير والمعلم , وكان هذا يوم الاربعاء , وكانت عطلة نهاية الاسبوع هي الخميس والجمعة , فوضع المدير والمعلم في الحجز , ليعرضا على القاضي يوم السبت , وعبثا ذهبت الوساطات مع الطالب واهله لإخراجهما بكفالة . تبين ان الطالب قد حصل على تقرير من طبيب خاص بوجود كدمات على جسمه , وتبين ايضا ان هناك خلافا شخصيا بين المدير ولي الامر , وانها فرصة لتصفية الحسابات , وبات المعلم والمدير في الحجز . وفي يوم السبت عرضا على القاضي . كان السؤال الاول للقاضي : هل انت مذنب ؟ قال المدير والدمعة تسبق لسانه : نعم سيدي مذنب . عاد المدير الى مكتبه ولملم اوراقه ومشى وخسرت المنظومة علما من اعلامها , والواقعة مسجلة في ملفات الشرطة لمن شك في صحة الكلام .
المشهد الثالث : اخر يوم دوام للطلبة في شهر حزيران (2010 ) , احدى مدارس محافظة الزرقاء , طالب في الصف الخامس الاساسي احضر بيضتين والقاهما في غرفة الادارة وهرب , لحق به احد المعلمين وامسك به واخذه الى مركز الامن الذي يقع مقابل المدرسة مباشرة وعاد . اتصل رجال الامن بوالده واخذوا عليه تعهدا بعدم تكرار ذلك , مر ولي الامر على المدرسة , واعتذر عن ولده واعدا بعدم تكرارها , وانتهى الامر . بعد حوالي ساعة اتصلت مدير ية التربية والتعليم بالمدرسة , لتبلغنا ان والدة الطالب تقدمت بشكوى لدى المديرية , بان المعلم جرجر الطالب لمركز الامن , مما تسبب بصدمة نفسية له , وان فعل المعلم هذا في قوانين التربية يعتبر تجاوز مرجع , يعاقب عليه قانون التربية والتعليم , فلا بد من ذهاب المعلم لأسرة الطالب و(الاعتذار ) لتسحب الام شكواها , والا انتظروا لجنة تحقيق , لينال المعلم الجزاء الذي يستحقه .
توقفت ــ يا حبايبنا ــ عند صورة تناقلتها وسائل الاعلام للرئيس التركي داوود اوجلو يقبل فيها يد معلمه , وبالمناسبة فقد تناقلتها وسائل الاعلام عندنا على انها صورة لقاض قبل يد المتهم بضرب احد الطلبة , بعد ان تبين للقاضي انه معلمه .
سئل امبراطور اليابان عن سر نهضة اليابان فأجاب على الفور : انه المعلم . قيل : كيف ؟ قال : منحناه راتب الوزير وسلطة القاضي وحصانة الدبلوماسي .
حكمة قالتها العرب :
ان المعلم والطبيب كليهما لا ينصحان اذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك ان اهنت طبيبه واصبر لجهلك ان اهنت معلما
وبعد ــ ايها السادة الافاضل ــ فهل وضعنا يدنا على الجرح , وهل ادركنا خطورة انهيار منظومة التربية والتعليم , وهل من قوانين صارمة تمنع دخول ( البلطجية) للمدارس , لتحمي المعلم وتجعله امنا في عمله وفي بيته , فقد اعتدي في العام المنصرم على منزل مديرة مدرسة واضرم فيه النار . لماذا لا يعين رجال امن لحراسة المدارس اسوة بكثير من مؤسسات الدولة , والسفارات والشخصيات الهامة . وصدقوني انه سياتي يوم نبكي دما على اضاعة هيبة المعلم اذا انهارت هذه المنظومة . طبتم وطابت اوقاتكم .علي محمود الشافعي

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.