مأساة أم عامر ومعاناة طفلها سامر
الرأي العربي .. نصر الزيادي – الأردن
لم تكن ” أم عامر ” تعلم ما يخبأه لها القدر .. وكأي أم في المجتمع تسعى جاهدة في الحفاظ على أسرتها وأطفالها ، وربما تمنع اللقمة عن فمها لتضعها في فم أحد أطفالها ليعيشوا بكرامة – وإن كانت ( الكرامة ) فقدت من معظم الأسر الفقيرة في مجتمعاتنا قصرا.
تزوجت منذ 12 عام ، وانجبت ثلاثة أطفال ، وكانت تعيش حياة مستورة وسعيدة مع زوجها الملتزم والذي تصفه بصاحب خلق وممن يحافظون على واجباتهم الدينية والمنزلية .. الى أن جاء ذاك اليوم الذي قلب حياتها رأسا على عقب .. حيث إندلق دلو ماء يغلي على طفلها ” سامر ” ذو الخمس أعوام حينها ، وتسبب بحرق معظم أجزاء جسمه – حروق صنفت من الدرجة الثالثة – حملت طفلها وهرعت لتسعفه ولحمه وجلده وشحمه يتساقط ذوبانا بين يديها ،، وحيث أحرق الماء المغلي شحم ولحم طفلها كان منظره وما زال يحرق قلبها ألف مرة كل يوم ، ومنذ خمس سنوات والدموع لا تفارق عينيها .. كيف لا وهي الأم وهو فلذة كبدها ؟
رحلة ألم
أدخلت سامر الى مستشفى البشير – وكلنا نعلم أن رعاية المستشفيات الحكومية ليست كما يجب – وتم إسعاف الطفل وعلاجه فترة ما يقارب سنة وهي ملازمة له تاركة أطفالها الآخرين عند أمها التي كانت تعاني من مرض السرطان ، وفترة إقامة الطفل في المستشفى لمدة عام كانت كفيلة بأن تستنزف إمكانياتهم وطاقاتهم المادية والتي هي في الأصل لا تكفي لعيشتهم كما يجب – ما بين بدل إيجار شقة وتسديد فواتير ماء وكهرباء – ويسترون حالهم بباقي دخلهم البسيط حالهم حال آلاف الأسر الفقيرة والمستورة الحال.
فكانوا يشترون الإبر والعلاجات اللازمة والتي لا تتوفر في المستشفى من خارج المستشفى مما حوّل حياتهم الى معاناة حقيقية وجحيم وكدر عيّش .
فاصبحت تتراكم عليهم قيمة الايجارات الشهرية لشقتهم شهرا تلو الشهر ، ولعدم صبر مالك الشقة عليهم باتوا يتنقلون من شقة الى أخرى ، ومن حيّ الى حيّ ، على أمل أن يتبدل حالهم الى أحسن ، ألا إن إرادة الله أبقتهم كما هم ، بل زادت المعاناة أكثر بعد وفاة والدتها حيث كانت سندها في رعاية أطفالها فترة مرافقتها لطفلها في المستشفى ، مما جعلها تتخذ قرارا باستئجار شقة في حيّ مستشفى البشير لتكون قريبة من طفلها في المستشفى وترعى أطفالها في مسكنها القريب والجديد من جهة أخرى .
استمرت المعاناة بل وزاد الحمل على كاهلها ولم تعد تستطيع تأمين العلاجات التي لا تتوفر داخل المستشفى خصوصا إن قيمة ايجار الشقة الجديدة 200 دينار ، فاخرجت ابنها مرغمة من المستشفى وجراحه لم تلتئم ، وبدأت تعالجه بالوصفات الشعبية التي تتبرع بها في الأغلب نساء يقدمن لها الوصفة وحين تنتكس حالته كانت تهرع به الى المستشفى بحالة طوارئ ثم تعود أدراجها لتكمل معه ما اعتادت عليه في منزلها من علاج بالوصفات الشعبية التي لم تتجاوز فائدتها للطفل كثيرا عن فائدة المستشفى الذين شوهوا جسم الطفل وهم يأخذون من فخذه ويرممون باقي جسده دون أي إهتمام يذكر كيف يخرج منظر الطفل ، الى أن خرج مشوها، ولا يزال يعاني آلاما كثيرة في أماكن الحروق والندوب الكثيرة وفي مفاصله وضعف بنيته .
معاناة أصعب
لم تقف الأمور عند هذا الحد ، فمن معاناة صعبة الى معاناة أصعب وأمَرْ ،، وبسبب حالة ابنها الصحية أدخلته الى مدرسة خاصة بناءً على طلب محسنة ( فاعلة خير ) وقامت المحسنة بدفع مبلغ 200 دينار وأبلغت والدة سامر بأنها ستسافر الى كندا وستحول المبلغ المستحق بانتظام الى المدرسة ومديرة المدرسة تعلم ذلك ، أما مديرة المدرسة فقد أقنعت والدة سامر بأن تلحق شقيقه له بالمدرسة كي يرعاه ويرفع من معنوياته وألا يشعر بالغربة ، وأكدت المديرة لها بأنها ستراعي ظروفها وما الى ذلك.
وكانت الطامة الكبرى أن ( فاعلة الخير ) لم ترسل لهم او للمدرسة شيئا كما أوعدتهم ، وانقطعت السبل في أم الطفل بعد أن تورطت ثلاثة سنوات بمستحقات لا تملك شيئا منها .
وقررت الالتحاق بزوجها في محافظة إربد حيث عمله الجديد هناك واضطرت أن تنقل ابنائها الى مدارس أربد ، وحين ذهبت لتأخذ ملف ابنائها من المدرسة رفضت المديرة ذلك وطلبت منها تسديد المستحقات المالية لتعطيها الملف رغم مناشدتها لهم ،ثم ذهبت الى التربية والتعليم ولم تجد حلا ، حضر زوجها أمام محامي المدرسة ووقع كماً هائلا من الكمبيالات ليتم دفعها كأقساط شهرية، واخذ الملفات الدراسية .
لسوء حظهم .. لم يفلح زوجها في عمله الجديد ، وعادوا الى السكن في عمان وبالقرب من المستشفى ، وتراكمت عليه كمبيالات أربعة شهور ، وبعد أن وجد عملا مجددا براتب 180 دينار ، قبلَ به على مضض ليسدد ما عليهم من التزامات تقض مضاجعهم ، وذات يوم وهو عائد من عمله أوقفته دورية شرطة لتسأله عن بطاقته ويفاجأ بأنه مطلوب ، فيحبس ثلاثة اسابيع بناءً على دعوى رفعها محامي المدرسة ، فقامت الزوجة باستدانة 200 دينار من هنا وهناك لتدفعها للمحامي الذي رفض الإفراج عنه إلا بعد أن وقعت الزوجة على كل الكمبيالات ككفيلة أولى لزوجها وشقيق زوجها كفيل ثاني – كما طلب منها المحامي – وتم الإفراج بعدها عن الزوج ليجد نفسه مفصولا من عمله بسبب غيابه في السجن ولم تفلح محاولاته بالعودة للعمل ، ولم يجد عملا للآن من بعدها .
طرقت أم عامر أبوابا كثيرة ولم تجد منقذا لها ولا لطفلها الذي ما زال يعاني آلامه ، سوى أن التنمية الاجتماعية خصصت راتب 60 دينار للطفل سامر فقط ولم يلتفتوا الى ظروف العائلة القاسية جدا .
و الآن ، يتصل المحامي كل عدة أيام بأم عامر ويهددها بالشكوى عليها شخصيا ككفيلة لزوجها ، وهي لا تستبعد أن يسجنها كما سجن زوجها من قبل ، واتصل بها أحد مالكي الشقق سابقا ويطلبها بمبلغ 1000 دينار ويهددها أيضا برفع قضية عليها وعلى زوجها ، وحتى بدل الايجار في شقتهم الحالية مكسور عليهم منذ أن طرد الزوج من العمل رغم أن المالكة خفضت قيمة الايجار من 200 الى 180 دينار شهري ، وعادوا مهددين بالخروج وتفريغ الشقة بأي لحظة حيث لا مؤى لهم بعد ذلك .
كل هذا ذكرته لي أم عامر – صاحبة العفة – والتي مازالت رغم قساوة ظروفها تحمد وتشكر الله على ما ابتلاهم به ، وتحرص كل الحرص على حسن تربية أطفالها الخمسة الآن ، وتحثهم على الصلوات الخمس في المسجد وهم لها طائعين، عدا عن التزامهم بدروس حفظ القرآن في المسجد .
ولم تذكر لي أم عامر أنها لا تملك قوت يومها والذي لمسته خلال زيارتي لها والتي رافقني بها صديق لي محامي ورجل فاضل ، وقد كانت على قدر كبير من التعفف ، وكل همها أن تجد محسنا يتبرع بعلاج طفلها ، وأن تسدد التزاماتها المالية التي باتت تهدد حياتها بالسجن وبالتالي تكون حياة ابنائها خلفها عرضة للخطر والضياع وعدم الإستقرار.
أما سامر فما زال بحاجة للعلاج المستمر بالإضافة الى عمليات تجميل عديدة لتعيد له نوعا ما شيئا ليكون مقبول الشكل ويتجنب الإحراج من زملائه الذين لا يرحمون ضعيفا عندما يعايرونه بحروقه وتشوهه .
وكما إستقبلني سامر بحرارة وهو الطفل ذو العشر سنوات الآن ، والذي عانا ويعاني منذ خمس سنوات الأمريّن ، فقد إرتسمت إبتسامة كبيرة على فمه عند قدومي وسمعته يقول لاخوته : ” هذا جاي يعالجني ” …….
تمنيت حينها أن أملك ما يكفي حاجة كل محتاج في كل بقاع الأرض لاتصدق بها ، فقد كانت وقع جملته وأثرها على قلبي كبيرا جدا وكانت كفيلة بأني لو أملك نفقة علاجه لما توانيت لحظة واحدة .
هذه قصة أم عامر وطفلها سامر ، أضعها بين أيدي كل من يملك قلب إنسان وكل محسن وفاعل خير وجزى الله كل من يحسن إليها أو يدل فاعل خير عليها خير الجزاء .
للتواصل مع أم عامر وللجادين فقط مباشرة هاتف رقم : ( 00962798446514 ).
13/7/2015