أخر المستجدات
الرئيسية » آراء حرة » محاولة لفهم ما يجري في سوريا بقلم فلاح أديهم المَسلَم

محاولة لفهم ما يجري في سوريا بقلم فلاح أديهم المَسلَم

12084079_518073135022083_520204331_n
محاولة لفهم ما يجري في سوريا

الرأي العربي .. فلاح أديهم المَسلَم الأردن 

كم هو محزن أننا معشر العرب أن يقتصر دورنا فيما يجري من أحداث على أمرين لا ثالث لهما :

الأول : وهو أبشعهما وهو دور الأداة بيد اللاعبين من كبار القوى الدولية والإقليمية , مع التأكيد بأنّ العرب جميعا دولا وشعوبا ليسوا من هؤلاء اللاعبين , ومن ظنّ غير ذلك فهو بحاجة إلى مزيد من البحث والتحريّ والتحقيق والتدقيق .

والثاني : هو دور التحليل السياسي لما يجري , والمحزن أننا نتخاصم ونتعادى على ذلك , فالكلّ يرى أنّ تحليله هو الصحيح , ومن يخالفه في تحليله فهو عدو , ونتجاهل أنّ العدو الحقيقي هو تلك القوى التي تتصارع على ثروات أوطاننا , وتستخدمنا ليقاتل بعضنا بعضا نيابة عنها تحت مختلف الشعارات , فارتضينا أن نكون نحن الفريسة لهم , والتي تسقط نفسها للعدو بأنيابها ومخالبها ………
ومع إدراكي لحالتنا المحزنة تلك ,ونظرا لأنّ الكلّ يتحدّث عمّا يجري في سوريا فقد رأيت أن أضع بين أيديكم الملاحظات التالية التي قد تعين على فهم ما يجري , لعلّ وعسى أن يستيقظ مستيقظ , وينتبه غافل , وهي ملخّصة بالنقاط التالية :

1. روسيا في الواقع بينها وبين أمريكا تعاون منذ الاتفاق مع الاتحاد السوفيتي في بداية ستينيات القرن العشرين , ومن أهم بنوده خنق أوروبا , ومنعها قدر المستطاع من التأثير في الموقف الدولي , وقصقصة أجنحتها في العالم , والمتابع للموقف الدولي يرى أنّ انهيار الاتحاد السوفيتي زاد روسيا التصاقا بالأمريكان حتى أصبح المتابع الواعي يعرف ما تريده أمريكا في العالم الثالث من خلال مواقف روسيا.

2. إيران وإن كانت تحاول أن تكون دولة ذات مشروع إلاّ أنّها دولة وظيفية تابعة لأمريكا , والثورة الإيرانية جاءت برعاية أمريكا , وهذا الأمر كان يعرفه الواعون على اللعبة الدولية منذ بداية تلك الثورة , وأظنّ أنّه بعد مرور أربعة عقود عليها قد تكشفت أغلب الأوراق ولم يعد ارتباطها بالأمريكان سرّا إلاّ لمن لا يريد أن يرى الحقائق الماثلة.

3. النظام السوري نظام وظيفي تابع لأمريكا ولولا وقوف أمريكا معه لسقط منذ السنة الأولى من الثورة , وموقف إيران وروسيا في دعمه هو بالاتفاق مع الأمريكان.

4. داعش أداة ساهم في صناعتها عدّة قوى وعلى رأسها أمريكا , وهي رديف للنظام السوري , وربما لولا تدخلها لسقط النظام , كما بينت شهادة د. حاكم المطيري الموثقة التي نشرتها على صفحتي قبل أيام .

5. أمريكا حزمت أمرها على حلّ القضية السورية , وظهر أنّها تريد استبعاد أوروبا من أي ترتيب فيها , وظهر ذلك في إغلاق بعض غرف عملياتها المشتركة مع بعض أدوات أوروبا في المنطقة بما في ذلك إسرائيل .

6. أوروبا وخاصّة بريطانيا مستقتلة على إدخال قوات دولية لسوريا بحجّة محاربة داعش وهي في الواقع تريد اسقاط نظام الأسد , وهي واثقة أنّه إذا انهار النظام السوري فإنّها ستستعيد نفوذها في سوريا إتكاء على جيش من العملاء الذين يرتبطون بها منذ القدم , وكانوا قد أنحنوا لعاصفة الحكم الأسدي طيلة العقود الماضية , والذين خرجوا مع بداية الثورة .

7. لكلّ ذلك فإنّ أوروبا عملت الضجّة على قضية اللاجيئن للتعجيل بدخول الجيوش ,وهذه القضية ستخلق رأيا عامّا دوليا للتدخل العسكري في سوريا وهذا ما تسعى له أوروبا ,وهدف أوروبا وعلى رأسها بريطانيا هو اسقاط النظام السوري تحت غطاء محاربة داعش ,وإدراكا من أمريكا لذلك , ونظرا لأنّها لم تستكمل ما تريده من ترتيب فقد استعانت بروسيا لتعلن موقفا صريحا وواضحا بأنّها ستدافع عن نظام الأسد , وكأنّها تقول لمن يريد الدخول في قوات بريّة بحجّة محاربة داعش أدخلوا ولكن إن لعبتم مع النظام فالقوات الروسية والإيرانية أمامكم.

8. ولم تقتصر روسيا على تحديد الهدف بمحاربة داعش وإنما أعلن الرئيس الروسي أنّ جميع الثوار , وحملة السلاح بدون استثناء بأنّهم هدف للحرب على الارهاب التي سيقودها هو وأربعة دول هي إيران , تركيا , السعودية , مصر

9. هذه هي الصورة المنطقية والمعقولة في نظري , أمّا أنّ هناك قوى في سوريا متحررة من الارتباط مع القوى الأجنبية , والتي يراهن عليها البعض فأنا لا أنفي ذلك ولا أثبته لعدم توفّر دلائل واضحة لديّ في هذا الشأن.
لا يفوتني هنا التذكير بما كتبه المفكر الفرنسي تيري ميسان في مقاله المنشور قبل عامين ونصف والذي قال فيه “ثمة خاسرون من هذا المشروع, وفي مقدمتهم فرنسا وبريطانيا اللتان ستفقدان نفوذهما نهائيا, ثم اسرائيل بعد أن تقلص نفوذها في الولايات المتحدة, سوف ترد إلى حجمها الحقيقي كدولة صغيرة.”
البعض سيقابل مثل هذه الملاحظات باستهجان , ويعتبرها من التحليلات التي أكل عليها الدهر وشرب , مع أننا نشاهد أنّ بريطانيا تفقد صوابها وتخرج عن طورها .
وغني عن القول أنّ حالة النزف التي تلمسها هنا وهناك والحركات الاستفزازية التي تقوم بها إسرائيل وحلفائها ما هي إلاّ محاولة للتشويش على هذا المخطط بخلط الأوراق لعلّ وعسى أن يكون لها ولبريطانيا نصيب من الجزور أو للتخفيف عنها من استحقاقات المرحلة التي تقودها أمريكا والتي تسعى لخنق أوروبا نهائيا .
وأكاد أجزم بأنّ أوروبا وتحديدا فرنسا وبريطانيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا المخطط فهي ستزجّ جميع اتباعها في المحرقة بمختلف الوسائل والأساليب , وربما قامت بمفاجآت لا تخطر على بال الشيطان نفسه , وهنا لا يفوتني التذكير بنهج بريطانيا السياسي مع اتباعها وعملائها فهي تتعامل معهم كما يتعامل الشيطان مع أتباعه (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) فهي تزجّهم في الصراع مع القوى الكبرى فإن نجحوا استثمرت ذلك لمصالحها , وإن سقطوا ساهمت في قتلهم , والأمثلة كثيرة , ويعرفها الواعون على اللعبة الدولية , ومن المشهور عنها مقولة أنّها تقاتل حتى آخر جندي فرنسي!!
إنّ الثورات العربية ومنها الثورة السورية ما كانت لتؤول إلى مثل هذا المآل لو أنّها قامت على مشروع واضح المعالم تلتف حوله الأمّة , ولكن أنّى لها ذلك , وفيها مئة دعيّ ٌ يزعم أنّه موسى , وكل موسى له مشروعه الخاصّ المناقض لمشروع الآخر , ولا أريد القول أنّ أغلب هؤلاء ما هم إلاّ (أمواس) بأيدي الأعداء التي يمزقون بها أحشاء الأمّة .
إنّ المصارحة والمكاشفة تقتضي القول بأنّ الأمّة دخلت مرحلة التيه الفعلي , ولكن إلى متى سيستمرّ ؟؟, إنّ الأمر مرهون بيد طلائعها فإن ارتفعوا إلى مستوى المسؤولية خرجت منه في أقلّ من عقد من الزمان , وإن بقوا على ما هم عليه من نرجسية , وارتباطات مشبوهة , وتقديم المصالح الضيقة على مصالح الأمّة فإنّ هذا التيه القاتل سيستغرق جيلا كاملا حتى تتفانى الأمّة , ويخرج منها جيل يضحّي بكلّ هذا الزيف الذي يتخذ سببا للاختلاف والاقتتال , ويبصق في وجه دعاته مهما كانت أسماؤهم وألقابهم , ويتفق على كلمة سواء , ولكن قبل أن يصل لذلك فإنّ الدمار سيدخل كلّ بيت في بلاد العرب والمسلمين .
ولقائل أن يقول : أليس من الحكمة الدعوة للمصالحة بين الشعوب وأنظمتها بدلا من الدخول في التيه ؟؟ وهو قول وجيه لو كانت هذه الأنظمة تستطيع أن تصلح نفسها ,وتستدرك أخطاءها ولكن الملاحظ أنّها غير راغبة بذلك , وربما هي عاجزة عن فعل ذلك , والشعوب قد دخلت فعلا في مرحلة التيه إلاّ أن يتداركها الله بلطفه .

التاسع والعشرين من أيلول 2015م
فلاح أديهم المَسْلَمي الصخري .

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.