أخر المستجدات
الرئيسية » آراء حرة » مطلوب تعريف إيجابي للمستقبل الذي نريد –

مطلوب تعريف إيجابي للمستقبل الذي نريد –

بقلم : مروان المعشر
هناك لغة جديدة في البيان الختامي للقمة العربية الأخيرة، تقر بأن “مفهوم الأمن القومي العربي ينصرف إلى معناه الشامل، وبأبعاده السياسية والعسكرية والاجتماعية”؛ وتعرب عن القلق من “اصطدام مفهوم الدولة الحديثة في المنطقة العربية بمشاريع هدامة تنتقص من مفهوم الدولة الوطنية، وتمس بالتنوع العرقي والديني”؛ كما تشدد على “دور المثقفين والمفكرين العرب والدور الرئيسي لوسائل الإعلام والقائمين على منظومة التعليم في العالم العربي بما يستهدف نشر قيم المواطنة والاعتدال”.
أهمية هذا الكلام تتمثل في إدراكه أن الحرب على تنظيم “داعش” والإرهاب وغيرهما من الأخطار، لها أبعاد عدة غير الأبعاد العسكرية؛ وأن التنوع والمواطنة والاعتدال هي قيم مهمة يجب تعظيمها. لكن البيان أتى ناقصا من حيث عدم اعترافه، أولا، بتقصير الحكومات العربية نفسها في إعلاء هذه القيم، ثم من حيث افتقاره للدعوة، على الأقل، لخطة طريق من قبل الدول العربية ذاتها لاستكمال مفهوم الدولة الوطنية الحديثة التي يتحدث عنها البيان.
بعد أربع سنوات من بدء الثورات العربية، فإنه باستثناء تونس التي تمكنت من تقديم ملامح لدولة تعددية حداثية، ما تزال أغلب الدول العربية، سواء التي مرت بتغيرات سياسية وتلك التي لم تمر، أقدر على تعريف نفسها بما هي ضده، أكثر بكثير مما هي معه. وبالتالي، شهدنا ونشهد تحالفات يوحدها التهديد من الآخر؛ سواء كان هذا الآخر هو تنظيم “داعش” في سورية والعراق، أو الخطر الإيراني التوسعي في اليمن، أو في زمن ليس ببعيد تكاتف قوى “14 آذار” في لبنان بسبب الهيمنة السورية. بمعنى آخر، فإن قوى “الاعتدال” تعرّف نفسها فقط بوقوفها ضد قوى “التطرف”. لكن حين يتعلق الموضوع بالتعريف الإيجابي لهذه القوى؛ بمعنى مشروعها التفصيلي لملامح الدولة المدنية الحديثة التي تحاكي هموم الناس اليومية من النواحي السياسية والاقتصادية والمجتمعية، فإنه لا توجد مجموعة عربية، منفردة أو مجتمعة، لديها مشروع لمستقبل تنويري مصحوب بإرادة سياسية وخطوات عملية لتنفيذه. وبالتالي، حين يتعلق الموضوع بالنظرة الإيجابية المنفتحة، يصبح مفهوم الاعتدال لدى هذه الدول قاصرا وغير مقنع.
تتحدث الحكومات العربية كثيراً عن تأخر ركب التنمية في الوطن العربي عن غيره من باقي مناطق العالم، لكن من دون تحديد من هو المسؤول عن ذلك. فهل يتم الاعتراف، أولا، بأن هناك قدرا من المسؤولية على الحكومات العربية؛ من حيث اتباعها نهجا سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا لم ينجح في اللحاق بهذا الركب؟ ثم، هل هناك إرادة حقيقية لإعادة نظر جذرية في هذا النهج والسياسات، بما يؤدي الى مقاربات جديدة مختلفة، تحقق تسارع التنمية، والانتقال التدريجي نحو مجتمعات مستقرة استقرارا طبيعيا، ومزدهرة ازدهارا مستداما، ومتنوعة تنوعا يقود إلى الإبداع والابتكار والتجديد المستمر؟
قوى الاعتدال بحاجة إلى تعريف إيجابي لما تطمح لتحقيقه، لأن الوقوف ضد الأخطار مطلوب، لكنه وحده لا يؤسس لمستقبل أفضل. وحدها الدولة المدنية الحداثية التعددية هي الضامن الحقيقي لاحتواء قوى التطرف والإرهاب؛ عن طريق تقديم مشروع استشرافي تنويري، يضمن لمكونات المجتمع كافة حقوقها، في جو يحترم تنوع الآراء، ويؤسس لاقتصاد مزدهر مستدام، ويسود فيه القانون على الجميع من دون محاباة.
لن يتم الوصول إلى مثل هذه المجتمعات بيسر أو بسرعة، ولن يتحقق ذلك إلا بالعمل الشاق وتوفر إرادة التغيير؛ ليس فقط لدى المفكرين والمثقفين، بل لدى الحكومات أيضاً.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.