أخر المستجدات
الرئيسية » أدب الكتاب » من وحي النكبة مقالة بقلم علي الشافعي شعب الله المختار وشعب الله المحتار

من وحي النكبة مقالة بقلم علي الشافعي شعب الله المختار وشعب الله المحتار

من وحي النكبة مقالة بقلم علي الشافعي شعب الله المختار وشعب الله المحتار
في ذكري النكبة ــ ايها السادة الافاضل ــ تتباكى عيون شعب الله المحتار من افاعيل شعب الله المختار , تتباكى العيون وترسِل الدمع مدرارا . في ذكرى النكبة ــ دام فضلكم ــ تعقَد الندوات وتقام المؤتمرات وتلقى الخطب , ويشعر الشعار ويسمر السمار ويصدح الصدّاحون لحن الرجوع الاخير , ثم ينطلق كل الى بيته مستمتعا بوجبة جهزتها المدام , او مع نارجيلة في احد مقاهي الطرب , ثم يستلقي متسطحا ويذهب في غفوة طويلة .
في ذكرى النكبة يظهر شعب الله المختار في اوج تألقه , من نصر الى نصر ومن انجاز الى انجاز , وشعب الله المحتار في قمة انحداره وسقوطه وتهاوي اركانه ؛ من هزيمة الى هزيمة ومن فرقة الى تمزق , ومن مؤامرة الى اخرى ومن مهانة الى خزي , حتى باتت شعوب العالم تضرب به الامثال في التردي والخنوع وقبول الامر الواقع , في عالم لا يعترف الا بالقوي .
يوم ان احتلت الارجنتين جزر الفوكلاند وطردت القوات البريطانية منها عام 1982 ( رغم ان الجزر تاريخيا هي للأرجنتين , لكنها تحت السيطرة البريطانية ) نصح الغرب رئيسة وزراء بريطانيا (تاتشر) يومها ان تلجا لمجلس الامن لإرغام الارجنتين على الانسحاب منها , قالت : تركنا مجلس الامن للعرب , وخاضت معركة انتهت باستسلام القوات الأرجنتينية واستعيدت الجزر . قبل ايام رئيس كوريا الشمالية , تلك الدويلة الصغيرة على حدود العالم الشرقي , وقف متحديا اعتى قوة غاشمة , قائلا : لتعلم امريكا اننا لسنا عربا , وسنحرق امريكا قبل ان تحرقنا .
ليس عيبا ــ ايها السادة ــ ان نخسر معركة , فالحرب سجال ( كرّ وفرّ ) , وكل شعوب العالم تتعلم من اخطائها , وتجعل من هذه الاخطاء نبراسا يضيء الطريق امام اجيالها . فرنسا مثلا هُزمت في الحرب العالمية الثانية , وجثم المحتل النازي على صدرها اياما معدودات , لكنها نهضت وقاومت ودحرت المحتل , روسيا كانت قاب قوسين او ادنى من الهزيمة حيث وصل النّازيون الى مشارف العاصمة موسكو , اليابان ضربت بأقوى سلاح عرفته البشرية خلف ملايين القتلى والجرحى والمشوهين . فيتنام , كمبوديا , الهند والباكستان . ليس عيبا اذن الهزيمة في معركة , ولكن العيب كل العيب ان نخسر كل المعارك التي خضناها . ففي بلدان بني عرب تنتقل الهزائم وتورث من السلف الى الخلف . في نكبة عام 1948 قلنا : معهم حق البلدان العربية برمتها كانت مستعمرة وكلمتها وحركات جيوشها مرهونة واسيرة المستعمر , رغم ان ما اخذ بالهدنة وعن طريق معاهدة رودس مع الزعماء العرب , يعادل ثلث ما احتله الصهاينة بقوة السلاح ( منطقة المثلث وتضم ست مدن و23 قرية) بحجة ما يسمى تعديل الحدود .
في حرب عام 1967 كانت الدول العربية قد استقلت , ومع ذلك أُخذت (العَطْفة) عروس عروبتهم من تحت شوارب زلمهم , واطلقوا على الهزيمة اسم نكسة . في حرب الاستنزاف امتدت يد الصهاينة الى العواصم العربية واحدة تلو الأخرى من القاهرة الى بيروت فتونس , والعرب ساكتون يحتفظون لأنفسهم بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين .
في حرب 73 اجهض العرب بأيديهم انتصارات جيوشهم , ليبرّروا ويمنهجوا الدخول في مفاوضات عبثية لم تسفر الا عن ابتلاع المزيد من الاراضي , وتكريس الهزيمة . وبدأت والتحالفات التآمرات والتخاذلات , وبدأت عصا اسرائيل السحرية تهشّ عليهم وتجبرهم على النوم قبل الغياب . وبقي شعب فلسطين في الساحة وحده , يصارع من غير سلاح , رغم من يسب ويلعن ويشيطن المقاومة , من بين ظهراني الشعب المحتار , فحورب في لقمة عيشه , وصودر قراره , واوجدوا من ينوب عنه في المحافل الدولية . غيب صاحب القضية , واعترف بمن يتآمر ويفاوض وبدأت الضفة الفلسطينية تتآكل تحت سمع وبصر مؤيدي الحلول السلمية والتطبيع , وهل يمكن ان يفاوض بقوة من لا يملك القوة , فالحقوق يُفاوض عليها من ارض المعركة .
اقول لكم ــ دام فضلكم ــ ان اهل فلسطين بخير وكما عهدتموهم , فقد حسموا امرهم ولم يعودوا يعوّلوا كثيرا على خارج حدود بلادهم , ولا ينتظرون دعما ماليا ولا معنويا من احد , حسموا امرهم وتولوا الدفاع عن امة سجن شرفها في سجون سادتها وكبرائها . عرفوا ان الحرب القادمة مع العدو ليست حرب جيوش وانما حربا ديمغرافية , أي حرب سكان فاطلقوا ايديهم يعمرون وينشرون المباني على كل ما قدرت عليه ايديهم , فتوسعت المدن توسعا يصعب على اعتي الجوش السيطرة على مدينة منها , ولعل مخيم جنين ومدينة نابلس اكبر شاهد على ذلك , فاطمئنوا يا بني عرب ( يا شعب الله المحتار) , وعودوا الى سباتكم , فهناك من ينوب عنكم في الحفاظ على ما تبقى من هيبتكم امام شعوب العالم . طبتم وطابت اوقاتكم .
Peut être une image de 1 personne

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.