أخر المستجدات
الرئيسية » أدب الكتاب » هويدا حسين أحمد تكتب : قنبلة موقوتة في عقر داري

هويدا حسين أحمد تكتب : قنبلة موقوتة في عقر داري

قناة سي ان

صورة بعض اللقطات مما تبثه بعض القنوات

 

قنبلة موقوتة في عقر داري

الرأي العربي .. هويدا حسين أحمد – السودان

شعرتُ أنّ هناك قنبلةً موقوتة في عقر داري حينما سمعت ولدي ينادني (أمّي أرجوك لا تفعلي هكذا بحقّ المسيح … بحقّ السّماء)، عندها صُرعت وكاد يُغشى عليّ من هول ما سمعت، لكن سرعان ما أفقت من الصّدمة وأخذتُ أتمايل يمنةً ويسرةً؛ علّني أجد ما أجلس عليه، حيثُ اكتشفتُ أنّ جميع المفاهيم التي كنتُ قد درستها لم تفدني، وأنّني مجرّد آلة عليها أن تهتم فقط بالمظاهر الخارجيّة وبأشياء أخرى. لم أكن أدرك أنّ هذه القنبلة قد انفجرت في وجه ابني الذي هو أهمّ من أيّ أمرٍ أساسيّ في هذه الدّنيا، أذكرُ أنّني كنتُ قد سمعته يهذي بكلمات لم أضعها في الحسبان (ماما عدنان لا يموت) (بحق السّنفور لا تفعل ذلك)، (هيا نسنفر حياتنا الأبدية)، وكنتُ أكتفي بكلمة (عيب) ولا أوضّح له العيبّ الذي وقع فيه عند استخدامه لمثل هذه الكلمات. كما أنّني لم أكن أُجهد نفسي بالشّرح فقد كنتُ أكتفي بإغلاق التّلفاز ومنعه من مشاهدة البرامج ممّا جعله أكثر عصبيّةً لدرجة أنّه أصبح يخاطبني بأسلوب كرتونيّ ساخر (تباً لك أيّتها المعتوهة!) فأبدأ كعادتي بالصّراخ والمشادّة الكلاميّة التي تنتهي طبعاً بالضرب المبرّح ثم الذّهاب للنّوم، كنت أعتقدُ أنّني قد أحسنتُ تربية ابني، بل ربيّته على أكمل وجهٍ باستخدام هذا الأسلوب.

وبسبب السّلوكيّات الغريبة التي طرأت على ابني في تلك الفترة استدعتني مديرة الرّوضة لتناقش معي تصرفاً كان قد قام به، وحين جلست لأستمع إلى التّفاصيل ذهلت كثيراً لدرجه أنّني شعرت بالغثيان، ولم أكن أودّ التّطرق لذكر التّفاصيل الدّقيقة؛ خشية أن تصفني بأنّني لا أعرف أساليب التّربيّة الاسلاميّة.

وبعد أن خرجتُ من مكتب المديرة غرقتُ بالتفكير، وأخذت أُحاور نفسي وأفكّر بتغيير نمط حياتي وحياة ابني. فأصبحت أجلس إلى جواره بعد أن كنت أغلق عليه غرفته وأتركه بالسّاعات ينام على طرف السّرير وعيناه على وشك أن تنخلع من مكانها لشدّة تحديقه بالتّلفاز، عند ذلك بدأت أنتبه لما يشاهده من برامج كرتونيّة تكاد تكون أشبه بالشّياطيين، والمصيبة الكبرى كانت في المفاهيم السيئة و المغلوطة التي تصل إلى أطفالنا، والأعجب من كلّ ذلك أنّ هذه المفاهيم مدسوسة في قنواتنا العربيّة. فقد وجدتُ انحلالاً أخلاقيّاً، واندثاراً للقيم، وإلحاداً تامّاً بما تحمله الكلمة من معنى، وهذا كلّه بحجّة زعمهم أنّ انفصال الطّفل في عمر صغير واستقلاله يقويّ شخصيّته. لقد قمتُ بمنح طفلي استقلاليّته وأبعدته عن حضني وعقلي وما زلت أعاني من الأسلوب الذي اكتسبه نتيجة لذلك، وهذه ليست مشكلتي فحسب، بل مشكلة جميع البيوت العربيّة، فقد اعتبرنا التّلفاز من أساسيّات التّربيّة، فأصبح هو المربي الأوّل والأخير دون وعيّ منّا.

تجدر الإشارة نهايةً إلى أنّ التلفاز المجسد للسلطة الرابعة ( الاعلام ) قد ساهم بصفة ملحوظة في اندثار القيم والأخلاق وتلاشيها، وجاء ليدفن ما كنّا قد تربيّنا عليه قديماً، فهو يسقي أخلاقنا مياه الخبث لتثمر فسقاً وانحلالاً و ذاك من خلال تسويقه لمفاهيم تختلف عنا عقائديا و فكريا و أخلاقياو اجتماعيا .

……….. و إلى لقاء آخر مع موضوع آخر الشاعرة : هويدا حسين أحمد

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.