التغذية الراجعة…….. بقلم الأديب علي الشافعي….. وكالة الراي العربي….
نشرت بواسطة: YASMEN ALSHAM
في آخر الأخبار
19 أغسطس، 2017
876 زيارة
التغذية الراجعة بقلم علي الشافعي
قبل سنوات ــ يا دام سعدكم ــ طلعت علينا وزارة التربية والتعليم بطلّتها البهية , لتخبرنا انها اكتشفت ان المناهج المدرسية قديمة وبالية , ولم تعد صالحة لتلبية متطلبات جيل هذا العصر . استبشرنا نحن المعلمون خيرا وقلنا : والله هذا شيء طيب , والمطلوب !؟ قالوا : دورات تدريبية وورشات عمل مكثفة لكافة المعلمين لتدربهم على المناهج الجديدة والتي هي قيد الطباعة واساليب تدريسها , بواقع 120ساعة تدريبية . وفعلا اقيمت ورشات عمل في كافة انحاء المملكة , صرفت عليها الملايين للمشرين والمراقبين والقائمين عليها , وحرم المعلمون من بركاتها , وقيل لهم : يكفي اننا نرفدكم بالخبرات , واكتفوا بصرف ساندوشة فلافل لكل منا مع كوب من الشاي , خلال ور شة تبدا الساعة الثامنة وتنتهي عند الثانية بعد الظهر يتخللها استراحة الساندوشة من (10 ــ 10.30) , هذا ايام العطلة الرسمية ( السبت) , وقبلنا على مضض من اجل طلبتنا . وجمعت ملايين النسخ من المناهج التي اصبحت قديمة من المدارس وباعتها الوزارة بالبخس الى مصانع تدوير الورق , ليخلوا المكان لملايين النسخ الجديدة من الكتب المدرسية , تماما كما تجمع اوراق النقد القديمة , وتحرق امام اعين من يتحرقون متمنيين نيل بعض فتاتها .
المهم ــ يا دام سعدكم ــ اقيمت الورش على عجل ودونما اعداد مسبق , فوقع المشرفون في حرج شديد امامنا اكثر من مرة , بسبب ان المادة التدريبية كانت تصل من الوزارة كل يوم بيومه , وتتأخر احيانا الى ما بعد انعقاد الورشة . اضافة ان بعض البرمجيات لم تفتح بسبب خلل في البرمجة , مما دعي احد مشرفينا ــ الله يذكره بالخير ــ ليقول والله وزارتنا تتعامل معنا على راي المثل : ( شغل امي لكنّتها) .
استغرقت الدورة فصلا كاملا , حشيت فيه ادمغتنا بمصطلحات كثيرة ,عرفنا بعدها اننا كنا نطبّقها في حصصنا اليومية امام طلبتنا , دون الالتفات الى المسميات المترجمة , والمصطلحات الطنانة . منها العملية التعليمية التعلمية , تفريد التعليم والفروق الفردية , العصف الذهني والتغذية الراجعة وغيرها , والذي يقهرك في الامر ان هذه المناهج وبعد تطبيقها , وتغيير اساليب التحضير لها عدة مرات , اكتشفت الوزارة فشلها , مما جعلها تعيد صياغتها عدة مرات خلال الاعوام الماضية , اخرها الذي مازال موضع جدال بين الوزارة والميدان , وبالتالي فرضته بقوة القانون .
ستسالون ــ دام عزكم ــ ما الذي ذكرني بها اليوم , ولماذا تقليب المواجع بعد ان خضنا غمار الانتخابات البلدية العتيدة , سأقول لكم وامري الى الله : تذكرت وانا اراقب سير العملية الانتخابية مصطلح التغذية الراجعة , والذي صدّعوا رؤوسنا بالتركيز عليه ابان تلك الدورات , ثم لم يأخذوا هم انفسهم به , ولم يستفيدوا من التجارب السابقة .
المقصود بمصطلح التغذية الراجعة : الملاحظات التي تأتي من الميدان بعد تطبيق نظرية او قانون او نظام على ارض الواقع , للاستفادة من هذه الملاحظات وتلافي السلبيات , وعدم التمادي في فرضها , تماما كما حصل مع طلبتنا عندما وقعت الفأس بالراس , بعدما ضُرب عرض الحائط بكل الملاحظات التي وردت من المعلمين اثناء التطبيق الذي اختزل منهاج اللغة العربية لطلبة الصفين الاول والثاني الثانوي العلمي الى كتيب هزيل سمي مهارات اتصال , انتج جيلا يرسب في الجامعات في امتحان مستوى للّغة العربية , وكما يحصل الان ايضا مع طلبة الصف الاول الاساسي من تعليم حروف لغتين في وقت واحد , فيصبحون كالغراب الذي اراد ان يتعلم مشية الحمامة فلم يتقنها , وعاد الى مشيته فوجد نفسه قد نسيها .
يقول الحق جل في علاه (تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) . هذه الآية تنطبق تماما على حكومتنا الرشيدة واخواتها السابقات , حيث انها لم تستفد ــ تماما كابنتها وزارة التربية والتعليم ــ من التغذية الراجعة من الانتخابات السابقة , فقد لاحظت الحكومة في الانتخابات البرلمانية والبلدية احجام الناس وعزوفهم عن المشاركة فيها , خاصة في محافظات الوسط التي بلغت نسبتها في الانتخابات البرلمانية السابقة 25 % , وفي هذه الانتخابات البلدية 17% في العاصمة و19% في الزرقاء , و مع انها تعرف الاسباب الحقيقية لهذا الاحجام , المتمثل في عدم رضاهم عن قانون الانتخاب , ويأسهم من التغيير , و نظرية النسبية والدوائر الوهمية في الانتخابات السابقة اكبر دليل على ما ذهبت اليه , بحيث ترى شخصا في الدائرة حصل على 2000 صوت ونجح , ومرشح اخر في نفس الدائرة حصل على 5000 صوت ولم ينجح . ولم تحرك الحكومة ساكنا , كأن لسان حالها يقول : هذا قانوننا ! والذي لا يعجبه يضرب راسه بالحائط , او يشرب البحر, لن نغير ولن نتغير , وسيفوز في النهاية من نريد شئتم ام أبيتم . اضافة الى الاداء الهزيل اهذه المجالس على ارض الواقع , وتماهيهم مع ما تريد الحكومة , سعيا وراء مطالبهم الخاصة , لتعبئة جيوبهم وتعويضها عن خسائر الدعايات الانتخابية .
وبعد ــ يا حبايب قلبنا ــ فقد جرت الانتخابات وانتهت حملات الدعاية , التي واكبها الانفاق بسخاء على المناسف في المضائف , والمحليات والمسليات والتسحيج والتطبيل , نافق اناس , وسقطت الاقنعة عن كثيرين . ونجح من نجح وخسر من خسر , ولكن الخاسر الوحيد في هذه الحملة هو الوطن , الذي يكاد يجزم ان شيئا لن يتغير , وما انفق على الدعايات الانتخابية سيدفع ثمنه من قوت عياله , وجيوب فقرائه ان بقيت لهم جيوب . طبتم وطابت اوقاتكم .
2017-08-19