شاهد عيان ….بقلم الأديب علي الشافعي…. وكالة الراي العربي…
نشرت بواسطة: YASMEN ALSHAM
في آخر الأخبار
29 أكتوبر، 2017
941 زيارة
شاهد عيان بقلم علي الشافعي
ظاهرة عجيبة ــ ايها السادة الافاضل ــ في مجتمعنا على في طول البلاد وعرضها , وتزداد يوما بعد يوم , حتى باتت تهدد المنظومة التربوية التعليمة برمتها , المنظومة الوحيدة التي بقيت لنا , نتفاخر بها في المحافل الدولية , انها ظاهرة الاعتداء على حرم المدارس , واقتحامها من قبل مجموعات من الزعران (الشبيحة) , والاعتداء على احد المعلمين بالضرب او الشتم والقذف , او التهديد بتلفيق تهم امنية له , تودي به على قارعة الطريق , ولم تسلم حتى مدارس الاناث من هذا التهديد , الامر الذي حدا بوزارة التربية والتعليم ان تطلب من وزارة العدل مضاعفة العقوبة المنصوص عليها في المادتين 158 و 187 من قانون العقوبات الاردني , لضمان امن وحماية المعلم من الاعتداء, حسب ما اوردته بعض وكالات الانباء , وبررت الوزارة في كتاب وجهه معالي وزير التربية والتعليم الى معالي وزير العدل هذا الإجراء ب (تزايد الاعتداءات على المعلمين والتي اصبحت ظاهرة مجتمعية مقلقة ، وانسجاما مع سياسة وزارة التربية والتعليم المنصوص عليها في قانون التربية والتعليم رقم 3 لسنة 1994 وتعديلاته والمتضمنة الاعتزاز بمكانة المعلم الاجتماعية ودوره المتميز في بناء الانسان والمجتمع) .
سأروي لكم ــ يا دام سعدكم ــ ثلاثا من الحوادث التي كنت عليها شاهد عيان , خلال مواكبتي مسيرة التربية والتعليم على مدى اربعين عاما , وبعدها لنا حديث , علّنا نضع ايدينا على الجرح ونحاول ما استطعنا مداواته قبل ان يعطب سائر الجسد , او نكون اعذرنا الى ربنا , وهذا اضعف الايمان . اقول بعد ان تصلوا على طه الرسول :
المشهد الاول : بدايات ايلول( 1975) , وفي احدى المدارس الثانوية الكبرى في العاصمة , لم اكن تخرجت بعد , لكن اخترتها للتطبيق فيها نظرا لشهرتها , وكان ــ في ذلك الوقت ــ التطبيق في الميدان شرطا للنجاح في المساقات التربوية . الواقعة : معلم معين لتوه ليعلم مبحث الاجتماعيات لطلبة الصف الثالث الثانوي (التوجيهي ) , يكبر الطلبة بحوالي 4 سنوات , وبعضهم في مثل سنه , وقد يكون اكبر منه حجما . احد الطلبة من ابناء الاغنياء يجلس في نهاية الفصل , احب كما يبدو ان يظهر عضلاته , فجلس جلسة وزير عندما يعرض متفاخرا احدى انجازاته على شاشات التلفزة . نبهه المعلم مرة , مرتين , ثلاث فلم يكترث , فذهب اليه وحصلت بينهما مشادة , حاول الطالب خلالها بشهادة زملائه ان يمسك بتلابيب المعلم , فدفعه المعلم بقوة فوقع على يده فكسرت . تجمهر الطلبة على زميلهم وخرج المعلم فابلغ المدير وهو في حالة شديدة من الهلع . هدّا المدير من روعه , وطلب من احد المعلمين نقل الطالب للمستشفى , وقال للمعلم هذه اجازة مني لمدة يومين تعود بعدها لطلبتك , وانا سأتدبر الامر . اتصل المدير فورا بولي الامر وقال له : ابنك اساء الادب مع احد مربيه فكسرت يده , فرد الاب على الفور ولمَ لمْ يكسر الثانية ؟ قال المدير : لو سمحت تحضر لتأخذ ملفه فقد قرر مجلس الضبط في المدرسة نقله خارج محافظة العاصمة لمدة عام . عند عودة المعلم اجتمع به المدير قرابة الساعتين , عرفنا انه كان يوجه له نصائح تربوية .
بعد التخرج تقلبنا في ديار الغربة ما شاء الله لنا , ثم عدنا (والعود احمد ) , فعينت في ثغر الاردن الباسم , لأجد ان كثيرا من القوانين تغيرت لصالح الطالب , وقائمة المحظورات التي تكبل المعلم اطول من ليل النابغة الذبياني . في اول اجتماع حضرته بدا سرد علينا المدير تلك القائمة : ممنوع العنف بأشكاله البدني والنفسي والمعنوي , ان اخطأ الطالب فارفع له البطاقة الصفراء ثم الحمراء , قلت : ما الذي يضبط صفا فيه خمسون طالبا ؟ قال والله هذه هي القوانين , والادارة لا تحمي معلميها .
المشهد الثاني : الزمان ظهيرة احد ايام شهر تشرين اول ( 1991 ). المكان احدى مدارس مدينة العقبة ذات الفترتين , في طابور الفترة المسائية , لا حظ احد المعلمين المناوبين احد طلبة الصف التاسع يقف بلا استعداد ولا يلتزم بالتعليمات اثناء اداء تحية العلم . فما كان من المعلم بعد الانتهاء الا ان ارسله لمدير المدرسة الذي انبه على تكرار مثل هذا السلوك , ثم ضربه بعصا صغيرة على فخذه .
اطلق الطالب ساقيه للريح , وبعد حوالي ساعة اقتحمت سيارة شرطة حرم المدرسة ومعها امر جلب للمدير والمعلم , وكان هذا يوم الاربعاء , وكانت عطلة نهاية الاسبوع هي الخميس والجمعة , فوضع المدير والمعلم في الحجز , ليعرضا على القاضي يوم السبت , وعبثا ذهبت الوساطات مع الطالب واهله لإخراجهما بكفالة . تبين ان الطالب قد حصل على تقرير من طبيب خاص بوجود كدمات على جسمه , وتبين ايضا ان هناك خلافا شخصيا بين المدير ولي الامر , وانها فرصة لتصفية الحسابات , وبات المعلم والمدير في الحجز . وفي يوم السبت عرضا على القاضي . كان السؤال الاول للقاضي : هل انت مذنب ؟ قال المدير والدمعة تسبق لسانه : نعم سيدي مذنب . عاد المدير الى مكتبه ولملم اوراقه ومشى وخسرت المنظومة علما من اعلامها , والواقعة مسجلة في ملفات الشرطة لمن شك في صحة الكلام .
المشهد الثالث : اخر يوم دوام للطلبة في شهر حزيران (2010 ) , احدى مدارس محافظة الزرقاء , طالب في الصف الخامس الاساسي احضر بيضتين والقاهما في غرفة الادارة وهرب , لحق به احد المعلمين وامسك به واخذه الى مركز الامن الذي يقع مقابل المدرسة مباشرة وعاد . اتصل رجال الامن بوالده واخذوا عليه تعهدا بعدم تكرار ذلك , مر ولي الامر على المدرسة , واعتذر عن ولده واعدا بعدم تكرارها , وانتهى الامر . بعد حوالي ساعة اتصلت مدير ية التربية والتعليم بالمدرسة , لتبلغنا ان والدة الطالب تقدمت بشكوى لدى المديرية , بان المعلم جرجر الطالب لمركز الامن , مما تسبب بصدمة نفسية له , وان فعل المعلم هذا في قوانين التربية يعتبر تجاوز مرجع , يعاقب عليه قانون التربية والتعليم , فلا بد من ذهاب المعلم لأسرة الطالب و(الاعتذار ) لتسحب الام شكواها , والا انتظروا لجنة تحقيق , لينال المعلم الجزاء الذي يستحقه .
توقفت ــ يا حبايبنا ــ عند صورة تناقلتها وسائل الاعلام للرئيس التركي داوود اوجلو يقبل فيها يد معلمه , وبالمناسبة فقد تناقلتها وسائل الاعلام عندنا على انها صورة لقاض قبل يد المتهم بضرب احد الطلبة , بعد ان تبين للقاضي انه معلمه .
سئل امبراطور اليابان عن سر نهضة اليابان فأجاب على الفور : انه المعلم . قيل : كيف ؟ قال : منحناه راتب الوزير وسلطة القاضي وحصانة الدبلوماسي .
حكمة قالتها العرب :
ان المعلم والطبيب كليهما لا ينصحان اذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك ان اهنت طبيبه واصبر لجهلك ان اهنت معلما
وبعد ــ ايها السادة الافاضل ــ فهل وضعنا يدنا على الجرح , وهل ادركنا خطورة انهيار منظومة التربية والتعليم , وهل من قوانين صارمة تمنع دخول ( البلطجية) للمدارس , لتحمي المعلم وتجعله امنا في عمله وفي بيته , فقد اعتدي في العام المنصرم على منزل مديرة مدرسة واضرم فيه النار . لماذا لا يعين رجال امن لحراسة المدارس اسوة بكثير من مؤسسات الدولة , والسفارات والشخصيات الهامة . وصدقوني انه سياتي يوم نبكي دما على اضاعة هيبة المعلم اذا انهارت هذه المنظومة . طبتم وطابت اوقاتكم .علي محمود الشافعي
2017-10-29