أخر المستجدات
الرئيسية » أدب الكتاب » مقتطفات من دراسة نقدية .. تاليف محمد زغلال محمد

مقتطفات من دراسة نقدية .. تاليف محمد زغلال محمد

*******.مقتطفات من دراسة نقدية ******

تاليف محمد زغلال محمد

____________

الشاعر خليل ابراهيم حسونة

الشاعر لا يكتب وإنما يلملم طبيعة العناصر المكونة لمحيطه الشعري . فهو يسعى من خلال الوصف أن يصب أحاسيسه على الأمكنة التي ينقلها إلى المتلقي في شكل إيقاع منسجم . تمتزج فيه الصورة الشعرية مع طبيعة الحس الدفين . إذ يعمل على ملاءمة وجعه وجرحه مع ما يمتلكه من رؤية فنية وجمالية يظهر فيها سر المبدع وقدرته على تجديد المعاني لإنشاء شكل لحياة شعرية متكاملة ..

إن قدرة الشاعر على الخلق والإبداع لا تدرك من خلال فهمه الشكلي ، وإنما من خلال اكتشافه لبعض الاهتزازات النفسية التي تغلي في القلب والروح .

لذا كان الشعر انعكاسا لعمق صاحبه …

يقول الشاعر خليل ابراهيم حسونة ”

ها أنذا ألهث خلف اكتمالي ..

يراودني الدمع .. فأسير خلف حدائق مباغتة ..

والشفة السفلى .. لفتة قاتلة ..

فيها كل رجفة لا تهب حكمتها لأحد ..

لذا أقف نحو الأفق .. وحدي

ثم احملني وامضي ..

( ها أنذا الهث خلف اكتمالي ..) إن الذي يشدني في هذا البناء اللغوي هو طبيعة الفعل وكأنما الشاعر يعيش لحظة ضياع أفقدته خصلة التميز فشعر بغربة قاتمة وقاتلة للفرادة التي يتميز بها . وهو بذلك من خلال فردانيته يبني سياجا من العداء بينه وبين نفسه .

( ها انذا ) .

فالشاعر يكشف عن وجوده بطريقة لا إرادية ، وكان ما يملكه من قوة وطاقة لا يغدو كونه مجرد حالة رديئة تبث شكلا من الرعب والفزع في نفسه من خلال رؤية بصرية لواقع مر متعفن مترسب في ذاكرته .هذا الإرهاب الغريب الذي جعله يعادي نفسه ، دفعه بالأساس إلى البحث في نفسه عن بعض الجواهر التي تقوده إلى الكمال المطلق .

( ها أنذا ** ألهت **) فالشاعر الخائف الحزين لا يستطيع أن يرقى إلى هذا الشكل من التميز إلا من خلال البحث في مكونات بعض الأحداث والصور عن الحقائق التي دفنت بشكل حاذق . لان ترتيب الأمور والأولويات يتطلب طاقة مضاعفة سواء للتخلص من الخوف أو لتعرية بعض الحقائق الزائفة التي نؤمن بها من خلال ما يراد لنا أن نعرفه عن بعض المواقف التاريخية التي لم نهتد إلى قراءتها بالشكل الصحيح .

(خلف اكتمالي ) البحث في الذات عن الذات نابع من يقين الشك في حقيقة الوقائع الكائنة والمحدثة .وهذا يقودنا إلى البحث عن الحرية المغتصبة التي نتشبث بها من اجل الإعلان عن وجودنا لان فقدان الهوية شبيه بفقدان الصواب إذ يجعل النفس مهتزة باستمرار مما يحدث تأثيرا سلبيا على تصرفاتنا وسلوكنا ونعيش الحزن والقلق في كل مراحله .إن التصديق بأننا نملك جملة من المعارف ومن الإحساس النظيف يدفعنا إلى الفرح كما يدفعنا إلى البكاء، لأننا نبحث عن حريتنا في عالم يبحث عن إنسانيته .

فصناعة الفعل بالنسبة للشاعر خليل ابراهيم حسونة ليست بالأمر الصعب لأنه يمهر في تركيب الصور الشعرية ويقدر على بناء الفعل من خلال رسم مقولة فاعلة ومتكاملة ، فيها من الأخلاق ما ياسر طموحنا ويعزز إرادتنا كي نفتخر بأنفسنا وعرقنا وقيمنا . وفيها من البلاغة ما يميزنا عن ثقافات مماثلة من عمق في التركيب ومناعة من السقوط في الرداءة والابتذال .وفيها من قوة المعرفة ما يجعلها قادرة على تأتيت العبارة بلاغيا وفنيا حتى نصل إلى الهدف . وهو الفكرة العميقة الدقيقة الصادقة الكاشفة عن وقع العبارة على النفس .وفيها من الجمال ما يجعلها فاتنة متناسقة مؤثرة مطهرة للنفس والوجدان ومثيرة للذة والمتعة حين يتلى على مسامعنا جلال كلماتها .

.

محمد زغلال مجمد

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.